الشَّيخ أبو يعلى الزّواوي الملقَّب بـ «شيخ الشَّباب وشابّ الشُّيوخ»

    طباعة المقال  طباعة المقال

    * اسمه ونسبه:

    هو أبو يعلى الزَّواوي، نسبة إلى الزَّواوة، واشتهر بهذا، واسمه الحقيقي سعيد ابن محمَّد الشَّريف بن العربي بن يحيى بن الحاج من آيت سيدي محمَّد الحاج بزواوة.

    * مولده ونشأته:

    ولد أبو يعلى الزّواوي عام (1862 ميلادية) بقرية تدعى «إغيل إنزكري»، وهذه القرية غير قريته الأصليَّة، وإنَّما انتقل إليها أبوه بعد أن عُيِّن إمامًا لمسجدها، وبها تزوَّج، فوالدته منهم، وكانوا من الشُّرفاء ومن أهل الخير والكرم.

    وأمَّا قرية أبيه وجدِّه؛ فتسمَّى: «تفريث نيث الحاج»، وتقع على سفح جبل «تامقوت» الشَّامخ في دائرة عزازقة بـ «تيزي وزو»، ومعناها بالعربيَّة، كما شرحها هو في كتابه «جماعة المسلمين» (ص34): «عرين ذوي الحاج»، والعرين في اللُّغة العربيَّة مأوى الأسد.

    وهي قرية ذات طبيعة خلَّابة وأشجار كثيفة ومياه عذبة، وكان يضرب بها المثل في عنايتها بالقرآن وحفظه، وقد ذكر أبو يعلى نفسُه أنَّ نسبة تسعين بالمائة منهم يحفظون القرآن؛ منهم الفلَّاح والرَّاعي والعامل، وهذا على خلاف ما كانت عليه بعض القرى المجاورة حيث لا يقرأ عندهم إلَّا المرابطون والشُّرفاء، وهذه مشابهة لقضيَّة الإفرنج النَّصارى، لا يقرأ التَّوراة والإنجيل إلَّا الرُّهبان والملوك.

    * نشأته العلميَّة:

    تتلمذ أبو يعلى الزَّواوي على يد والده، فأخذ عنه الفقه والقراءات والنَّحو، ثمَّ زاول تعليمه بزاوية «عبد الرَّحمن الأيلولي» الكائنة بمنطقة «عزازقة»، ولم يكن راضيًا على طريقة ونوعيَّة التَّعليم فيها، مؤيِّدًا في ذلك رأي شيخه محمَّد بن زكري مفتي «الجامع الأعظم»، الَّذي درس بالزَّاوية نفسها، وقضى فيها عشر سنوات دون أن يستفيد شيئًا حيث دخلها حافظًا للقرآن كما يقول وخرج منها حافظًا للقرآن.

    والَّذي يظهر أنَّ أبا يعلى الزَّواوي ـ ومن خلال بعض مؤلَّفاته ـ قد بذل جهدًا لا يستهان به في تحصيل العلم وبناء ثقافته من خلال مطالعته لكتب كثيرة ذكرها في ثنايا تآليفه، يشهد لذلك أسلوبه البديع وبيانه السَّاحر في كتاباته، لا سيما خطبه الَّتي كانت في معظمها مرتجلة.

    وكان إلى جانب ثقافته العربيَّة، وشغفه بلغة العرب وآدابها، واعتزازه بعلوم الشَّريعة ـ من فقه وتوحيد وحديث وتفسير ـ وتمكُّنه منها؛ عارفًا باللُّغة الفرنسيَّة، تعلَّمها على يد مدير السِّجن الَّذي كان أبو يعلى يعلِّمه اللُّغة العربيَّة، حيث حكم عليه بالسِّجن لمدَّة سبع سنوات بسبب حادثة وقعت له في شبابه.

    وبما أنَّ أبا يعلى من منطقة الزَّواوة، ويتكلَّم بلسانها، فقد أرَّخ للمنطقة بأن ألَّف كتابًا أسماه «تاريخ الزَّواوة»، نشره في دمشق عام (1924م)، خلص فيه إلى كون البربريَّة حميريَّة الأصل، وله في ذلك استشهادات لغويَّة وتاريخيَّة، وهذا ممَّا يثبت أنَّ له انشغالًا واهتمامًا باللُّغات واللَّهجات، وقد كتب فعلًا مقالات في التَّعريف بلغة البربر وقواعدها ونحوها، ونشرها في المجلَّة السَّلفيَّة بمصر بطلب من الشَّيخ طاهر الجزائري رحمه الله.

    وممَّا زاده تمكُّنًا وتبصُّرًا بأحوال أمَّته الدِّينيَّة والسِّياسيَّة والاجتماعيَّة، وَسَمَا بفكره إلى الاشتغال والاهتمام بقضايا بلده؛ سفرُه إلى الشَّام ثمَّ إلى مصر، والتقاؤُه بالعديد من رجالات الإصلاح وأصحاب الفكر والسَّاسة.

    * أقرانه وشيوخه:

    ذكر معظمَهم هو بنفسه في مؤلَّفاته المطبوعة، ونذكر منهم جملة على سبيل المثال خاصَّة أولئك الَّذين تأثَّر بهم:

    والده الشَّيخ محمَّد الشَّريف الَّذي كان إمامًا ومؤذِّنًا وموثِّقًا وصاحب مدرسة قرآنيَّة.

    الشَّيخ محمَّد سعيد بن زكري، خطيب مسجد «سيدي رمضان» بالجزائر العاصمة، ومفتي «الجامع الأعظم»، ويعدُّ من أبرز مدرِّسي العاصمة، ومن الفقهاء المتمكِّنين من علمهم، وقد تأثَّر أبو يعلى به أيّما تأثُّر، وكان متَّبعًا لسيرته في العلم.

    الشَّيخ محمَّد بن بلقاسم البوجليلي المولود سنة (1836)، وقد نوَّه به وبعلمه العلَّامة البشير الإبراهيمي، ووصفه ابن زكري شيخ أبي يعلى وصديقه: «أنَّه كان من المصلحين ودعاة القضاء على البدع الَّتي كانت تساعد على نشر الشَّعوذة والخرافة»، وقال عنه تلميذه أبو يعلى: «أنَّ الشَّيخ ابن زكري كشيخه البوجليلي ذكاءً وشهرةً».

    العلَّامة المحدِّث الشَّيخ طاهر الجزائري، وقد مكث معه خمس سنوات كاملة في أرض مصر.

    ومن أقرانه في العلم والدَّعوة الَّذين أُعجب بهم وكانت له معهم صداقة ومودَّة، وكثيرًا ما يَذكرهم بلفظ «الصَّاحب» أو «الصَّديق»: الشَّيخ رشيد رضا، والشَّيخ محمَّد الخضر حسين، ومحمَّد كرد علي، وأمير البيان شكيب أرسلان، ومن أهل بلده: الشَّيخ مبارك الميلي، والشَّيخ الطيِّب العقبي.

    * أعماله ووظائفه:

    تقلَّد أبو يعلى مناصب مختلفة في حياته بحكم ثقافته المزدوجة ـ إن صحَّ التَّعبير ـ ، فقد عُيِّن كاتبًا بالقنصليَّة الفرنسيَّة بدمشق وعمل بها إلى حوالي (1915م)، أرسلته فرنسا إلى سوريا طمعًا منها في أن يقوم بإقناع الجزائريِّين المقيمين هناك بالتَّجنُّس لتفادي رجوعهم إلى أرض الوطن خوفًا من حمل الأفكار التَّحرُّريَّة الَّتي قد ظهرت بالشَّام، ومقابل ذلك وعدته فرنسا بمنصب الإفتاء إذا رجع إلى الجزائر.

    ومن خلال إقامته بسوريا اتَّصل بالعديد من الشَّخصيَّات والكتَّاب والأدباء والسِّياسيِّين والصُّحفيِّين، وأقام علاقات معهم، وأسهم بمقالاته في بعض الصُّحف والمجلَّات، ثمَّ انتقل إلى القاهرة بسبب وقوع الحرب العالميَّة، وهناك التقى بالشَّيخ طاهر الجزائري، وكثَّف نشاطه بمصر، وتعرَّف بالعديد من إخوانه الطَّلبة الجزائريين، وواصل مشاركته في تحرير المقالات؛ معرِّفًا بالجزائر وتاريخها، وواصفًا أحوالها المزرية، وكانت له فعلًا إسهامات تمثَّلت في نشر مقالات في جريدة «البرهان» الَّتي كان يصدرها الشَّيخ عبد القادر المغربي، وفي المجلَّة السَّلفيَّة بمصر أيضًا.

    وممَّا يلفت الانتباه أنَّ الشَّيخ أبا يعلى انتقد المشارقة وهو فيهم لقلَّة اهتمامهم بأحوال المغرب العربي.

    وعند عودته إلى الجزائر سنة (1924) بقي بنفس الهمَّة العالية والرُّوح الأبيَّة، يكتب وينتقد، ويكافح وينافح بقلمه السَّيَّال وفكره الجوَّال، فكتب في صحيفة «صدى الصَّحراء» الَّتي كانت تصدر بـ«بسكرة» (جنوب الجزائر)، على غرار زملائه كالطيِّب العقبي والشَّاعر محمَّد العيد ومحمَّد الأمين العمودي، كما شارك في جريدة «الثَّمرة الأولى» الَّتي كان يصدرها طلبة الجزائر في تونس.

    ومن الوظائف الَّتي أسندت إليه ـ وكان لها أهلًا ـ: تعيينه إمامًا بمسجد «سيدي رمضان» بالجزائر العاصمة، حيث تولَّى الخطابة فيه من سنة (1924) إلى سنة (1952) وهو تاريخ وفاته، وكان يعتبر ذلك مِنْ مِنَن الله عليه.

    وقد كان رحمه الله خطيبًا مفوَّهًا، يرتجل الخطب، ويبلغ بها مقصده من إفهام السَّامع والأخذ بمجامع القلوب، وقد شهد له بذلك كثيرون منهم أحمد توفيق المدني الَّذي قال عنه: «وأشهد أنَّه قد كان لتلك الخطب الأثر الفعَّال في النُّفوس»، وقبل ذلك قال عنه: «أخرج الخطب المنبريَّة من صيغتها التَّقليديَّة العتيقة إلى صيغة قوميَّة مفيدة، فهو يخطب للعامَّة ارتجالًا في مواضع إسلاميَّة محليَّة مفيدة، ويعتبر خطابه درسًا بحيث لا ينتهي منه إلَّا وقد اعتقد أنَّ كلَّ مَنْ بمسجد «سيدي رمضان» من رجال ونِسوة قد فهموا جيِّدَ الفهم خطابه».

    وقد جدَّد طريقة السَّلف في الخطابة، فالتزم أن تكون الخطبة من إنشائه هو لا من إنشاء الآخرين، ودُون ورقة ـ أي ارتجالًا ـ، ثمَّ بدَا له بعد ذلك أن يدوِّن خطبه لكيلَا يقال عنه إنَّه سرقها من غيره وحفظها.

    ومن الأعمال العظيمة والوظائف الشَّريفة الَّتي لم يفوِّتها أبو يعلى على نفسه رئاسته لجمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريِّين، حيث عيِّن رئيسًا للجمعيَّة العموميَّة المكلَّفة بوضع القانون الأساس للجمعيَّة، وقد حضرها اثنان وسبعون من علماء القطر الجزائري وطلبة العلم، اجتمعوا بنادي التَّرقِّي بعاصمة الجزائر لتعيين الأعضاء الأساسيِّين المكوِّنين لجمعيَّة العلماء الجزائريِّين، وهذه الرِّئاسة وإن كانت مؤقَّتة انتهت بانتهاء أشغال التَّأسيس إلَّا أنَّها تعدُّ حدثًا له قيمته ووزنه في حياة الشَّيخ أبي يعلى الزَّواوي.

    إضافة إلى هذه الأعمال كلِّها، فإنَّه كان مجيدًا للخطِّ العربي وله فيه رسالة، وكان ينسخ المصاحف ويحفظها، وقد ورث ذلك عن أبيه، جَمَعَ في خطِّه بين الرُّوح الجزائريَّة والتَّعريقة الشَّرقيَّة رغم قوله أنَّه تأثَّر بالخطِّ الفاسي الموروث عن الأندلس.

    ولتفنُّنه وإتقانه للخطِّ أعجب به كثيرون، ومدحه بشير الرَّابحي بقصيدة على خطِّه في المصحف الشَّريف.

    * مؤلَّفاته وآثاره العلميَّة:

    ترك أبو يعلى الزَّواوي آثارًا علميَّة نافعة، ضمَّنها خلاصة ما يؤمن به من أفكار، وما كان يطمح إليه من مشاريع جادَّة تخدم بالدَّرجة الأولى دينه ولغته العربيَّة، ورغم أنَّ جلَّ هذه المؤلَّفات جاءت في شكل كتيِّبات أو رسائل مختصرة إلَّا أنَّها حوت في مضامينها ذلك البعد العميق في تفهُّم قضايا أمَّته عامَّة، والتَّشبُّث الوثيق بمكوِّنات شخصيَّة الأمَّة الجزائريَّة خاصَّة، ساعده في ذلك روعة أسلوبه وانتظام أفكاره وكثرة استدلاله بالنُّصوص الشَّرعيَّة في كتاباته الدِّينيَّة، واستعماله ـ وهذا لفرط ذكائه ونباهته ـ لألفاظ ومصطلحات يمرِّر من طريقها أفكاره ويبرز فيها طموحه ويختصر بها أقواله ويعالج من خلالها الأدواء والأمراض الَّتي شخَّصها بنفسه، وخير مثال لذلك تسميته لكتابين ألَّفهما وأبدع فيهما، أطلق على أحدهما: «الإسلام الصَّحيح»؛ تمييزًا له عن الإسلام الَّذي سمَّاه العلَّامة الإبراهيمي بالإسلام الوراثي، وأطلق على الآخر: «جماعة المسلمين» تحريضًا منه على لَمِّ شعث الأمَّة واستقلالها بنفسها دون تدخُّل أو وصاية من المستعمر.

    * وهذه نبذة مختصرة عن بعض مؤلَّفاته:

    أوَّلًا ـ «كتاب الإسلام الصَّحيح»: وطبعه في مطبعة المنار بمصر سنة (1345هـ) بعد رجوعه إلى الجزائر، وجعله في شكل سؤال وجواب.

    ثانيًا ـ «جماعة المسلمين»: وهو عبارة عن رسالة مطوَّلة في شأن جماعة المسلمين ومعناها في الفقه المالكي وفي أصلها من الأحاديث الصَّحيحة([2]).

    وقد قرَّظ كتابه هذا الشَّيخ الطَّيِّب العقبي رحمه الله ، وذكر في تقريظه اثني عشر بيتًا، نقلها أبو يعلى إلى كتابه «جماعة المسلمين» (ص47) ومطلع هذه الأبيات:

    أبو يَعلى إمـَامُ الـحَقِّ فِـيـنَا   وشَيْخٌ في شَبَابِ المُصْلِحِينَا

    ثالثًا ـ «تاريخ الزَّواوة»: وحدَّد خطوطه العريضة سنة (1912)، وكتبه سنة (1918م)، وهو في القاهرة، ونشره في دمشق سنة (1924م)([3])، وطبع الآن بمراجعة وتعليق سهيل الخالدي، من منشورات وزارة الثَّقافة.

    وذكر أبو يعلى أنَّ له كتابًا بعنوان: «أصل البربر بزواوة»؛ بيَّن فيه أنَّ أصل البربر من حمير، وأنَّهم عرب قحطانيُّون أو عرباء، وهل هو نفس الكتاب الأوَّل أم هو كتاب آخر([4]

    رابعًا ـ «الخطب»: جمع فيه خطبه، وكان ذلك سنة (1343هـ) الموافق لسنة (1924م)، (طبع باستيد ـ جوردان ـ كاربونيل: 1343هـ) يحتوي على (78) صفحة.

    خامسًا ـ «فصول في الإصلاح»([5]): ذكره ضمن كتابه «الخطب» و«تاريخ الزَّواوة».

    سادسًا ـ «الخلافة قرشيَّة»: والكتاب لم يطبع إلى الآن([6]).

    سابعًا ـ «أسلوب الحكيم في التَّعليم»: ذكره أبو يعلى في بعض كتبه، والظَّاهر أنَّه غير مطبوع([7]).

    ثامنًا ـ «الفرق بين المشارقة والمغاربة في اللُّغة العربيَّة وغيرها»: وقد ذكره بنفسه بين مؤلَّفاته([8]).

    تاسعًا ـ «ذبائح أهل الكتاب»: ذكره ضمن كتابه «الخطب»، وغالب الظَّنِّ أنَّه لم يطبع([9]).

    عاشرًا ـ «مرآة المرأة المسلمة»: وقد ذكر مؤلِّفه أنَّه يقع في حدود (200) صفحة، ضمَّنه آراءه في المرأة، مبطلًا عادات بني قومه في عدم توريثها ومنع نظر الخاطب إليها، ومناديًا بضرورة تربيتها وتعليمها([10]).

    حادي عشر ـ «الكلام في علم الكلام»: وقد أشار إليه في «مجموع مؤلَّفاته»، ويجهل هل طبع أم لا([11]).

    هذا، وقد ألَّف أبو يعلى الزَّواوي كتبًا صغيرة الحجم في قضايا مهمَّة لها صلتها الوثيقة بالأمَّة والمجتمع في تلك الحقبة؛ مصحِّحًا للمفاهيم ومدافعًا عن معالم الشَّخصيَّة الإسلاميَّة، ومساندًا للإصلاح، وداعيًا إلى تطهير المعتقدات والسُّلوكات من الشَّوائب والبدع والخرافات([12]).

    * عقيدته ومنهجه:

    المتتبِّع لمقالات الشَّيخ أبي يعلى الزَّواوي يجد اهتمامًا بالغًا بالموضوعات الَّتي كانت ترتبط بحياة الأمَّة في تلك الحقبة، وبالأوضاع المزرية الَّتي آل إليها حال الأمَّة الجزائريَّة خاصَّة، من انتشار البدع والخرافات وفساد الاعتقادات وسوء الأخلاق وتحكُّم الجهَّال وإقامة أعراس الشَّيطان الَّتي كانت تشدُّ إليها الرِّحال من كلِّ مكان، ويقع فيها من المنكرات والفضائح والرَّذائل ما يستحي العاقل من ذكره.

    فكان لزامًا أن يقوم المصلحون والغيورون على الدِّين والقيم بإصلاح ما فسد، وتقويم ما اعوجَّ، وإحياء ما مات من مقوِّمات الدِّين وعقائده وشرائعه، فانتدب لهذه المهمَّة الشَّاقَّة ـ وكان لها أهلًا ـ أبناء «جمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريِّين»، ومنهم الشَّيخ أبو يعلى الزَّواوي رحمه الله الَّذي ـ كغيره من علماء الجمعيَّة ـ بنى دعوته في الإصلاح والتَّغيير على الكتاب والسُّنَّة والدَّعوة إلى منهج السَّلف الصَّالح وعقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، وحذَّر من مغبَّة الطَّرائق والمناهج المنحرفة والمخالفة لما كان عليه أهل الصَّدر الأوَّل.

    قال رحمه الله مشيدًا بطريقة السَّلف في العقيدة والتَّوحيد: «إنَّ خير طريقة في العقيدة التَّوحيديَّة طريقة السَّلف الَّتي هي اتِّباع ما ثبت عن الله وعن رسوله من غير كثرة التَّأويل والدُّخول في الأخذ والرَّدِّ من الجدل في المتشابه وإيراد الشُّبه والرَّدِّ عليها»([13]).

    وقال معتزًا ومفصحًا عن عقيدته ومتبرِّئًا من كلِّ ما خالفها: «أمَّا أنا ومَن على شاكلتي من إخواني الكثيرين فلا شريعة لنا ولا دين ولا ديوان إلَّا الكتاب والسُّنَّة وما عليه محمَّد وأصحابه وعقيدة السَّلف الصَّالح، أي فلا اعتزال ولا ماتريدي ولا أشعري، وذلك أنَّ الأشاعرة تفرَّقوا واختلفوا، أي المتقدِّمون منهم والمتأخِّرون، ووقعوا في ارتباك من التَّأويل والحيرة في مسائل يطول شرحها لم تصف بعد فعلام؟ وقل: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، كما قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) ﴾ [الأنعام]»([14]).

    وأَرجع أسباب تفرُّق الأمَّة وتمزُّقها إلى تبنِّي التَّعاليم والمذاهب المخالفة لمنهج الإسلام الصَّحيح، والتَّغافل والتَّعامي عن منهج الفرقة النَّاجيَّة الَّتي هي أسعد الفرق بالاتِّباع والاقتداء بسنَّة سيِّد الأنام صلى الله عليه وسلم ، فقال: «إنَّ كثرة التَّفريق والاختلاف في التَّعاليم الدِّينيَّة مزَّق الأمَّة كلَّ ممزَّق، وهذا ممَّا أدركه كلُّ مسلم جاهلًا كان أو عالمًا، فلزم إذن عدم التَّفرُّق، وذلك إنَّما يكون بتوحيد التَّعاليم قديمًا وحديثًا، وهو أمر صعب، ولكن على غير العاملين بحديث النَّجاة وهو قوله صلى الله عليه وسلم : «إلَّا وَاحَدِة وَهِيَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»، فعلام نغفل هذا أو نتعامى ونعمل بمائة مذهب وبألف ملَّة وطريقة»([15]).

    والحقيقة أنَّ النَّاظر في كتابات الشَّيخ أبي يعلى الزَّواوي لا يكاد يقرأ فقرة من فقرات مقاله إلَّا وظهر له مدى اعتنائه بعقيدة السَّلف الصَّالح ورجوعه إليها وحسن دفاعه عنها، ومحاربته ما خالفها من العقائد المنحرفة والباطلة ببيان عوارها وتجلية حقائقها ليحذرها النَّاس، كما يتجلَّى ذلك واضحًا في كتابيه المشار إليهما في مطلع الحديث عن مؤلَّفاته.

    * نماذج من غرر أقواله وكتاباته:

    وهي كثيرة مبثوثة في ثنايا تآليفه، ممتعة في مضامينها، وشيِّقة في أسلوبها، حاكى فيها البلغاء، وألبسته حلية الفقهاء، وهو فيها بين سابق مجتهد وبين متَّبع مؤيِّد، لكن دون تقليد أو محاكاة، إذ النَّهب والسَّلب ليس من شيمه، ولذلك دوَّن خطبه وهذا من قِيَمه، وإليك بعض النَّماذج من أقواله على سبيل المثال:

    أوَّلًا: افتتاحه كتاب «جماعة المسلمين» بخطبة الحاجة مشيدًا بالاتِّباع ومحذِّرًا من الابتداع، فبعد نقله للخطبة: «إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستغفره ونتوب إليه…»، قال: «لم يثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بغير الحمد مستفتحًا، ولا كاتب بغير البسملة مبتدئًا، ولا قرأ بغير التَّعوُّذ تاليًا، فلنتمسَّك بهذا؛ فعلام العدول عنه إلى جملة «الحمد لله وحده» الشَّهيرة في المغرب فنعمَّا هي، ولكنَّها من طرَّة دولة الموحِّدين وشعارهم، وهي دولة كما علمنا أنَّها ذات زيغ ودانت بعصمة الإمام نزغة رافضيَّة، والمهدويَّة الكاذبة، ومن جهل هذا فليراجع كتاب «الاعتصام»»([16]).

    ثانيًا: جوابه على من سأله: كيف وقعت المغالطات والمنكرات المبتدعة في الدِّين الإسلامي؟ وبعد أن أرجع الأسباب إلى عاملين؛ الأوَّل: الجهل، والثَّاني: دسائس أعداء الإسلام، ثمَّ ذكر فضائح الرَّافضة ومكايد الباطنية وكشف عوارهم، فقال([17]):

    «فتأمَّل ـ أيُّها السَّائل ـ كيف وقعت هذه المنكرات الَّتي أدهشتك، وكيف سرت وتسرَّبت إلى الأنام وامتزجت بالأجسام وهي أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين! واحذرهم أن يفتنوك عن الإسلام الصَّحيح وأصوله المعتبرة، وإيَّاك أن تلتزم ما لا يلزم، أو تسأل عن أشياء إن تَبْدُ لك تَسُؤك، واعتبر قول أنس بن مالك المتقدِّم: «نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم » وذلك معنى قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾ [المائدة: 101].

    ثالثًا ـ استنباطه معجزة للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:

    قال رحمه الله كما في كتابه «الإسلام الصَّحيح» (ص12): «كنَّا جلوسًا ذات يوم في دار وطنيِّنا الأمير عبد الله نَجْل الأمير عبد القادر الجزائري بالشَّام، وكان صديقنا العلَّامة الكاتب الشَّيخ محمَّد الخضر نجل السَّيِّد علي بن عمر حاضرًا على سبيل الزِّيارة أيَّام العيد، فتجاذبنا أطراف الحديث إلى أن أدَّى بنا إلى معجزات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فاقتنع كلُّ واحد منَّا بنوع من المعجزات الكثيرة الغرر، فقلت لهم: إنَّ من أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم الَّتي بهرتني تصريحه بأن «لا نبيَّ بعده» الثَّابت في «الصَّحيحين»، وذلك أنَّه صلى الله عليه وسلم قد انفرد بهذا القول عن إخوانه المرسلين الَّذين لا يحصون عدًّا ولم يقل أحد من الأنبياء بهذا، فلولا أنَّه محقِّق أنَّه نبيٌّ وأنَّه من الله لما قال: «لا نبيَّ بعدي»؛ وذلك أنَّه لم يضطرّه إلى ذلك القول شيء ولم يطالبه به أحد وأنَّه في وسعه أن لا يقول ذلك وأنَّه يسعه ما وسع الأنبياء قبله، إذ لم يقولوا به، ولو علم من نفسه أنَّه ليس بنبيٍّ مرسل، ومؤيَّد من عند الله، لما قال ذلك وهو الفطن الحذق، وهذا ـ أيضًا ـ عين برهان أنَّ القرآن من عند الله، كلامه ـ جلَّ شأنه ـ، ولو كان من تأليفه صلى الله عليه وسلم لما أثبت فيه «خاتم النَّبيِّين»؛ لأنَّه أيضًا غير مضطرٍّ إلى ذلك القول الَّذي لم يقله إخوانه الأنبياء الَّذين قبله، ألا يسعه ما وسعهم، ولكنَّه لعلمه وتحقُّقه أنَّه مرسل من عند الله صَدَعَ بما عَلِمَ عن ربِّه فثبت ذلك، أي أنَّه لا نبيَّ بعده، فاستحسن الحاضرون هذه النَّظريَّة وهذا الاستنباط، ولمَّا رجع صديقنا المذكور الشَّيخ محمَّد الخضر إلى تونس في سفرته الأولى إلى الشَّام كتب رحلته تلك في جريدة «الزَّهرة» وذكر هذه الجملة باستحسان، وبالله التَّوفيق لا ربَّ غيره ونبيُّنا لا نبيَّ بعده» اهـ.

    رابعًا: وسئل رحمه الله عن دليل وجود الله وحال المنكِر له، فقال ضاربًا مثلًا رائعًا واقعيًّا تهضمه الأفهام ولا تنكره الأسماع: «وأزيدك ـ أيُّها السَّائل ـ هنا برهانًا آخر على وجوده لتكتفي وهو أنَّ الخط في الكتابة يدلُّ دلالة قطعيَّة على الخطَّاط الكاتب، ومثل العبد الَّذي يعترف بالخطِّ والكتابة وينكر وجود الخطَّاط الكاتب كمثل النَّملة الَّتي تجري على قرطاس الكاتب، فترى الخطَّ والكتابة ولم يمكن لها أن ترفع رأسها لترى الكاتب فتنكر وجوده لذلك، ولكن لا يلتفت إليها، وكثر هذا الضَّرب من النَّاس في هذا الزَّمن…»([18]).

    خامسًا: في ردِّه لكرامات الأولياء المزعومين المخالفين للشَّرع وافتتان العامَّة بها إلى حدٍّ جاوز المعقول وطغى على المنقول، مستعملًا الأسلوب السَّاخر الموافق لعقولهم الهزيلة ومعتقداتهم الهشَّة، قال رحمه الله: «واشتهر عندنا بقطر الجزائر المنوَّر أنَّ الشَّيخ السَّيِّد فلان أوقف السِّكَّة الحديديَّة عن المشي مشيرًا إليها بأن تقف فوقفت! وأنَّ الشَّيخ فلان كان يصلِّي وصدر الأمر إلى سائق السِّكَّة الحديديَّة بالمسير فلم يعمل الميكانيك ولم تمش السِّكَّة الحديديَّة كرامةً للشَّيخ! وهلمَّ جرًّا من المجازفات النَّاشئة عن سخافات عقول قومنا، ويا ترى إذا قال لهم قائل: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين بأن نجعل أحدكم أو شيخكم ذلك نفسه على قضبان السِّكَّة الحديديَّة هل يعطِّلها؟ وإلَّا فأنتم كاذبون، والله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول: ﴿ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) ﴾ [آل عمران]، وبعبارة أخرى إذا كان شيوخكم بهذه الدَّرجة من الخوارق والكرامات بأن يعطِّلوا الميكانيك؛ فإنَّ المدافع والبندقيَّات الموزيريَّة والطَّيَّارات والغوَّاصات والمراكب البحريَّة كلّها ميكانيك؛ فكفُّوا عن الأمم المستضعفة شرَّ المدافع والطَّيَّارات والدَّبَّابات والمصفَّحات من السَّيَّارات ونحو ذلك من الويلات»([19]).

    * وفاته:

    وبعد عمر مديد بلغ التِّسعين عامًا سخَّره في خدمة قضايا أمَّته خطابةً وكتابةً، وداعيًا ومصلحًا بطريقة فذَّة وبشكل قلَّما نجده لأمثاله على حدِّ تعبير الدُّكتور «أبو القاسم سعد الله»؛ وافته المنيَّة سنة (1952) بمدينة الجزائر، ودفن في مقبرة الشَّيخ عبد الرَّحمن الثَّعالبي، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه بمنِّه وكرمه، آمين.

    *   *   *

     

    ([1]) نُشر في مجلَّة «الإصلاح»: العدد (2)/ربيع الأوَّل ـ ربيع الثَّاني 1428هـ.

    ([2]) «جماعة المسلمين» (ص1).

    ([3]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (6/325).

    ([4]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (7/338).

    ([5]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (7/176).

    ([6]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (7/177).

    ([7]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (7/197).

    ([8]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (8/48).

    ([9]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (8/80).

    ([10]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (6/352) و(7/190)، و«الإسلام الصَّحيح» (ص26).

    ([11]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (7/155).

    ([12]) «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (7/175).

    ([13]) «الإسلام الصَّحيح» (ص4).

    ([14]) «الإسلام الصَّحيح» (ص94).

    ([15]) «الإسلام الصَّحيح» (ص117).

    ([16]) «جماعة المسلمين» (ص1).

    ([17]) «الإسلام الصَّحيح» (ص86).

    ([18]) «الإسلام الصَّحيح» (ص4).

    ([19]) «الإسلام الصَّحيح» (ص74).

    (عدد المشاهدات5614 )

يُبث في الإذاعة

العنوان :طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ

المستمعين :

استماع

جديد الموقع

موعظة الأسبوع

قالَ الإمامُ ابنُ حزمٍ -رحمه الله- : «إذا حضرت مجْلِس علمٍ فَلا يكن حضورك إِلاّ حُضُور مستزيدٍ علمًا وَأَجرًا، لا حُضُور مستغنٍ بِمَا عنْدك طَالبًا عَثْرَة تشيعها أَو غَرِيبَةً تشنِّعها، فَهَذِهِ أَفعَال الأرذال الَّذين لا يفلحون فِي الْعلم أبد

اقرأ المزيد

مؤلفات الشّيخ

الأكثر مشاهدة

زوّار الموقع

-  الجزائر (90819)
-  الولايات المتحدة (47330)
-  كندا (7767)
-  فرنسا (7476)
-غير معروف (6916)
-  الصين (6104)
-  روسيا (3125)
-  المملكة المتحدة (2575)
-  ألمانيا (2469)
-  مصر (2210)
-  المغرب (2142)
-  السعودية (1748)
-  ليبيا (1468)
-  تونس (1212)
-  أيرلندا (991)
-  سنغافورة (739)
-  هولندا (677)
-  العراق (601)
-  أوكرانيا (601)
-  تركيا (499)
-  النرويج (411)
-  الأردن (389)
-  السويد (338)
-  إسبانيا (333)
-  الإمارات العربية المتحدة (319)
-  بلجيكا (288)
-  الهند (268)
-  إندونيسيا (267)
-  البرازيل (237)
-  رومانيا (225)
-  اليابان (222)
-  السودان (216)
-  قطر (199)
-  إيران (186)
-  فلسطين (175)
-  أستراليا (173)
-  سويسرا (164)
-  جمهورية التشيك (157)
-  سيشل (155)
-  اليمن (147)
-  بولندا (138)
-  الكويت (130)
-  فيتنام (125)
-  عمان (118)
-  لبنان (115)
-  سوريا (112)
-  تايلاند (105)
-  هونغ كونغ (99)
-  ماليزيا (91)
-  اليونان (88)
-  الدنمارك (87)
-  مولدوفا (80)
-  النمسا (79)
-  بلغاريا (79)
-  جنوب أفريقيا (68)
-  نيجيريا (67)
-  باكستان (66)
-  البحرين (62)
-  النيجر (58)
-  البرتغال (58)
-  السنغال (47)
-  بنغلاديش (46)
-  المجر (44)
-  الأرجنتين (40)
-  موريتانيا (39)
-  كوريا الجنوبية (38)
-  المكسيك (38)
-  الصومال (37)
-  ساحل العاج (35)
-  فنلندا (34)
-  الفلبين (33)
-  الكاميرون (32)
-  لوكسمبورغ (30)
-  هندوراس (28)
-  سلوفاكيا (28)
-  لاتفيا (26)
-  ألبانيا (25)
-  تشيلي (25)
-  كازاخستان (25)
-  مالي (24)
-  تايوان (24)
-  ليتوانيا (22)
-  صربيا (22)
-  كينيا (21)
-  تانزانيا (19)
-  غينيا (17)
-  نيوزيلندا (17)
-  كرواتيا (16)
-  كولومبيا (15)
-  كوراساو (14)
-  إثيوبيا (14)
-  أرمينيا (10)
-  روسيا البيضاء (10)
-  بليز (10)
-  الغابون (10)
-  آيسلندا (9)
-  بنما (9)
-  فنزويلا (9)
-  بنين (8)
-  جيبوتي (8)
-  منغوليا (8)
-  نيبال (8)
-  أذربيجان (7)
-  قيرغيزستان (7)
-  تشاد (6)
-  الإكوادور (6)
-  غينيا الاستوائية (6)
-  جورجيا (6)
-  بيرو (6)
-  لا ريونيون (6)
-  أوزبكستان (6)
-  أفغانستان (5)
-  كمبوديا (5)
-  كوستاريكا (5)
-  موريشيوس (5)
-  سلوفينيا (5)
-  غامبيا (4)
-  غواتيمالا (4)
-  سريلانكا (4)
-  بوركينا فاسو (3)
-  إستونيا (3)
-  ليبيريا (3)
-  مقدونيا (3)
-  بورتوريكو (3)
-  الأوروغواي (3)
-  البوسنة والهرسك (2)
-  جمهورية الكونغو (2)
-  غانا (2)
-  جامايكا (2)
-  مدغشقر (2)
-  مايوت (2)
-  موناكو (2)
-  بورما (2)
-  توغو (2)
-  أوغندا (2)
-  زامبيا (2)
-  أندورا (1)
-     أنغولا (1)
-  باهاماس (1)
-  باربادوس (1)
-  بوليفيا (1)
-  جزر القمر (1)
-  قبرص (1)
-  جمهورية الدومينيكان (1)
-  السلفادور (1)
-  إريتريا (1)
-  جبل طارق (1)
-  لاوس (1)
-  ماكاو (1)
-  جزر المالديف (1)
-  مالطا (1)
-  مارتينيك (1)
-  موزمبيق (1)
-  كاليدونيا الجديدة (1)
-  نيكاراغوا (1)
-  باراغواي (1)
-  طاجيكستان (1)
-  تيمور الشرقية (1)
-  الجزر العذراء البريطانية (1)
195293 زائرًا من159 دولة
جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ عزالدين رمضاني © 2019